يكون النسيان نعمة من نعم الله عندما ننسى الأحداث المؤلمة والحزينة فى حياتنا، وعندما ننسى إساءة من صديق أو قريب.
ويقول الدكتور عبد الهادى مصباح، أستاذ المناعة زميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة:
إن الأحداث اليومية التى نتعرض لها تخضع للتصنيف والفهرسة من قبل مخنا، فيحتفظ بالأشياء المهمة ويحولها من الذاكرة المؤقتة إلى الذاكرة الدائمة، ويتجاهل الأحداث الأقل أهمية، وربما ينساها على الفور إذا لم يدونها أو يستعن بوسيلة ما لكى يتذكرها.
والسبب فى ذلك أننا عندما نقرأ شيئا ما أو نكتسب معلومات جديدة علينا مراجعة هذه المعلومات فى خلال يوم أو يومين من قراءتها، فإن نصف هذه المعلومات تقريبا يفقد خلال اليوم الأول لقراءتها، بينما 80 % منها يفقد فى خلال أسبوعين بعد القراءة.
ولذلك فالمراجعة والتكرار لما تم استيعابه بتركيز خلال اليوم الأول من استيعاب المعلومة يعد من أهم وسائل تحسين الذاكرة والاحتفاظ بالمعلومة ونقلها إلى مرحلة الذاكرة الدائمة، مع الاستعانة بكل الوسائل السمعية والبصرية واللفظية والتخيلية من اجل تثبيت هذه المعلومة.
ويقول الدكتور عبد الهادى، هناك بعض الأشخاص لديهم شكوى من نسيان الأسماء، وآخرون ينسون الأرقام، بينما نجد أشخاصا لا يتذكرون الوجوه التى ربما رأوها منذ ساعات أو دقائق قليلة والذى ينبغى أن نعيه جيدا.
إنه من خلال فهمنا لمراحل تكوين الذاكرة التى تتلخص فى: تخزين المعلومة، ثم الاحتفاظ بها، ونقلها من مرحلة الذاكرة المؤقتة إلى مرحلة الذاكرة الدائمة.
ثم فى النهاية المرحلة الأخيرة وهى مرحلة استرجاع المعلومة واستدعائها فى الوقت الذى نحتاجها فيه يمكن تقوية الذاكرة بتهيئة الظروف المناسبة لكل مرحلة من هذه المراحل لكى تتم بالشكل الأمثل.
لذا ينبغى أن نثق فى ذاكرتنا وفى قدراتنا العقلية التى لا نستطيع أن نكتشف كل جوانبها فى معظم الأحيان، ولعل أبسط الأمور التى تدلنا على ذلك الذكريات التى تقفز إلى مخيلتك عندما تسمع أغنية معينة، فتتذكر الزمان والمكان والأشخاص الذين كنت تجلس معهم عند سماع هذه الأغنية.
وتشعر بدفء أنفاسهم أو حنان أحضانهم وربما تتسلل إلى انفك رائحة الأكل الذى كنت تأكله آنذاك بمجرد سماعك للغنوة، وقد يكون هذا أحد أسباب الحنين الدائم إلى القديم والصراع بين الأجيال القديمة التى تمثل هذه الأغنيات حقبة كاملة من عمرها وذكرياتها وأحاسيسها والأجيال الحديثة التى تعيش عمرها الحالى، ولا تزال تكون ذاكرتها وذكرياتها التى سوف تعيش عليها فى المستقبل.
ويؤكد الدكتور مصباح أن من الأمثلة التى تدلنا على قوة الذاكرة وكفاءتها ما نسمعه من الأشخاص المعمرين دائما، عندما يقولون لك إن حياتهم بالكامل تمر أمام أعينهم وكأنها شريط لفيلم سينمائى قصير دائم التكرار.
وهناك من الأشخاص من يمتلك قدرات خاصة تتعلق بالذاكرة وتختلف باختلاف نوع الذاكرة التى يمتلكها هذا الإنسان، فهناك من يمتلك ذاكرة فوتوغرافية لا تنسى صورة أو وجها راتة أبدا، وهناك الذاكرة الرقمية التى تحفظ الأرقام وتجيد حسابات الأرقام المعقدة بكفاءة متناهية مثل الكمبيوتر.
وهناك بعض الأشخاص الذين يمتلكون ذاكرة سمعية تجعلهم لا ينسون ما سمعوه ولو لمرة واحدة ومن أمثلة هؤلاء صحفى روسى يدعى شيريشيفسكى يمكنه أن يستمع إلى خطاب طويل لمدة ساعتين ثم يعيده بالكلمة والحرف وأماكن التوقف.
وقد أثار هذا الصحفى الروسى فضول العلماء الذين فحصوا مخه جيدا من خلال الرنين المغناطيسى الوظيفى والفحص المقطعى بالبوزيترون الذى يوضح مناطق ومراكز المخ أثناء عملها.
وتبين من الفحص أنه لا يمتلك مستوى ذكاء أعلى من الأشخاص العاديين، ولكنه استطاع من خلال التركيز والتدريب على استيعاب ما يسمع أن يصل إلى هذه المقدرة الفائقة، وقد أيد بالفعل ذلك العالم الألمانى "روزينفيج " الذى توصل من خلال أبحاث متعددة إلى أن المخ البشرى والذاكرة إذا أدخل إليها عشر معلومات جديدة فى الثانية الواحدة على مدى عمر الإنسان فإن ذلك لن يستطيع أن يملا أكثر من نصف الهارد ديسك فى ذاكرته فقط.
الكاتب: أمل علام
المصدر: موقع اليوم السابع